Category: خطوات واثقة
لعبت الأمهات كبير الدور في الأسر الإماراتية قديماً، حيث كانت الأم تقوم بدور الأم والأب معاً، في تربية الأبناء كون الآباء كانوا يسافرون في رحلات غوص طويلة. وهنا كانت تحرص الأم على تدريب الطفل على الاعتماد على نفسه لقضاء حاجاته والتغلب على التحديات وحل المعضلات وتناول طعامه والنظافة وارتداء الملابس وغير ذلك. وهذا بالطبع بموازاة تلقنيه قواعد الآداب العامة والسلوكيات الحميدة والأسس الدينية والاجتماعية. وقيم الصدق والعدل والأمانة والعفة.. إلخ، مستعينة بذخر العقيدة الدينية ومخزون الموروث الشعبي وقصصه وأهازيجه ومفرداته كافة. مع هذه المرحلة، تبدأ الأعراف والتقاليد تأخذ مكاناً مهماً في تنظيم حياة الطفل، وفقاً لأسس الدين ولنظم وعادات ومبادئ ووضع القبيلة التي ينتمي إليها وكذا أجواء الحي الذي يقيم فيه (الفريج)، ويتحصل في ضوء هذا على خبرات ومعارف إنتاجية وحياتية متنوعة تتيح له تعوّد الحياة وإتقان فنون التعاطي معها، ذلك طبقاً للبيئة التي ينشأ بها الطفل: صحراوية أو ساحلية أو جبلية. وهكذا يأخذ بالتدرب على الإبحار والسباحة واعتياد الصبر وتحمل حر الصحراء وما تفرضه من شروط.. وكذا ظروف قسوة وصعوبة الحياة في الجبال، ويتعلم مهارات ومهن أهله، فيبدأ يتعلم كيفيات تربية الإبل والأغنام وتوزيع الأفلاج والصيد والزراعة، وسف (الحابول) أي عملية التذرية عند المزارعين، و(القلافة) أي صناعة السفن والغوص و(الطواشة) أي تجارة اللؤلؤ. بجانب التمرس مع النواخذة، البحارة أو غيرهم من سكان الساحل. كما أن الفتيات يبدأن إتقان أعمال المنزل والكثير من الحرف والتدرب على مهارات منزلية متنوعة. التعليم والتوجيه اعتاد الأهل أن يعلّموا الطفل الآداب العامة وفنون الحياة، بموازاة فروض دينه وعقيدته، بالتدريج، حسب سن الطفل والقدرات العقلية والوعي ومستوى النمو. ويؤدي التقليد، تقليد الطفل لوالديه، كبير الفائدة والدور في تعليم الأطفال وإكسابهم المعارف، في الدين وطقوس الصلاة.. وفي المعرفة وفنون الحياة. كما تقترن لهذه التنشئة الاجتماعية جملة معلومات ومهارات عن كيفية تنظيف الجسم والوضوء والتأهيل. وفي داخل الأسرة تبدأ قراءة القرآن الكريم عندما يقرأ الأب أو الأم أمام الأطفال. وبين سن الرابعة والسادسة أو العاشرة يتم إلحاق الأطفال بحلقات أو مدارس تعليم القرآن في بيوت المطاوعة والمطوعات. ومن السابعة أو قبلها يتعلم الطفل الصلاة ويكون قد أتقن قراءة بعض قصار السور، وترديد الشهادتين، ويقوم بزيارة المسجد بمفرده أو بمرافقة أبيه أو جده. التربية الدينية يذكر الباحث الإماراتي، عبدالله الطابور، في أبحاثه وكتبه المتخصصة، أن التعليم بالإمارات في البدايات، اقتصر على الكتاتيب التي كان يقيمها المطاوعة في مناطق تجمعات مستقرة بجانب بيوتهم في زوايا خاصة. وكان التعليم بالمجمل متركزاً على تعليم قراءة القرآن وتحفيظه للتلاميذ، ونادراً ما كانت تجري العناية بتعليم التلميذ العلوم الأخرى مثل مبادئ الكتابة والحساب وبعض النصوص الفقهية. وكان تعليم المرأة قراءة القرآن أو ختمه في الكتاتيب المختلطة للأولاد والبنات، وكانت فرصة مواصلة التعليم على أيدي شيوخ العلم نادرة. ومع ذلك فإن المرأة كانت تتولى التدريس في الكتاتيب ويضاف إلى اسمها لقب (المطوعة) إذا أبدت شيئاً من الذكاء والفهم في قراءة القرآن الكريم ونصوص الأحاديث النبوية الشريفة. وهناك رسوم أسبوعية تدفع كل خميس تسمى (خميسية) وقدرها ربع روبية، إضافة إلى الإكراميات الأخرى كلما قطع الطفل مرحلة من التعليم. وبعد أن يختم الطفل أو الطفلة المصحف الكريم يكون الاحتفال الكبير المعروف (بالتومينة) حيث يطلب ولي الأمر من المطوع أو المطوعة إقامة التحاميد وهي عبارة عن تواشيح دينية، وفي اليوم الذي يحدد للاحتفال يستعد أهل الطفل بإقامة وليمة كبيرة تنحر فيها الذبائح ويلبس الأطفال أحسن ما عندهم من ملابس وحلي وكأنه العيد. إذاً، منذ مرحلة مدرسة المطوع، تغدو شخصية الطفل تنهل وتنصقل أكثر وتتقوى، حيث يباشر الاحتكاك بمجتمعه وإثبات نفسه، وتكوين صور حول ذاته والمحيطين به.